منذ سنوات، حير وجود غاز الميثان (CH₄) على كوكب المريخ العلماء، حيث يمكن أن يكون ناتجًا عن عمليات جيولوجية أو بيولوجية. الميثان على الأرض يرتبط في الغالب بنشاط الكائنات الحية، مما يفتح التساؤلات حول إمكانية وجود حياة ميكروبية تحت سطح المريخ.
لكن ما الذي يجعل هذا الغاز مثيرًا للجدل؟ ولماذا يعتبر لغزًا لم يُحل حتى الآن؟
ما هو غاز الميثان ولماذا يثير الفضول؟
الميثان (CH₄) هو غاز عديم اللون والرائحة يتكون من ذرة كربون وأربع ذرات هيدروجين.
أسباب الاهتمام به على المريخ:
- على الأرض، 95% من غاز الميثان ناتج عن نشاط بيولوجي (البكتيريا، الحيوانات، تحلل المواد العضوية).
- عمر الميثان في الغلاف الجوي قصير (~300 سنة على الأرض، وأقل من 300 عام على المريخ بسبب الإشعاع الشمسي).
- إذا كان هناك مصدر للميثان على المريخ، فهذا يعني أن هناك عملية نشطة مستمرة تُنتجه، سواء كانت حيوية (بيولوجية) أو جيولوجية.
إذا كان الميثان يأتي من نشاط بيولوجي، فقد يكون دليلًا على وجود حياة ميكروبية!
كيف تم اكتشاف الميثان على المريخ؟
تم اكتشاف غاز الميثان لأول مرة عام 2003 بواسطة التلسكوبات الأرضية، ثم أكدت مركبة “كيوريوسيتي روفر” التابعة لناسا وجوده لاحقًا.
أدوات اكتشافه:
- تلسكوب هابل الفضائي (2003).
- مركبة مارس إكسبريس (Mars Express) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية (2004).
- كيوريوسيتي روفر (Curiosity Rover) التابعة لناسا (2012).
- مسبار تريّس غاز أوربتر (TGO – ExoMars) (2016).
لكن المشكلة أن قياسات الميثان غير متسقة، أحيانًا يتم رصده بتركيز عالٍ، وأحيانًا يختفي تمامًا، مما يثير الشكوك حول مصدره وطريقة تدميره
النظريات حول مصدر الميثان على المريخ
هناك نظريتان رئيسيتان حول مصدر غاز الميثان على المريخ:
المصدر البيولوجي (حياة ميكروبية)
- الميثان قد يكون ناتجًا عن كائنات ميكروبية تُعرف باسم “الميثانوجينات” (Methanogens).
- هذه الكائنات تعيش في بيئات قاسية على الأرض مثل الينابيع الحارة، قاع المحيط، أو تحت الجليد.
- إذا كان هناك ميثانوجينات على المريخ، فقد تكون مختبئة تحت سطح الكوكب حيث توجد المياه السائلة والحرارة الجوفية.
وجود حياة على المريخ سيكون أكبر اكتشاف علمي في تاريخ البشرية
المصدر الجيولوجي (نشاط غير حيوي)
- الميثان يمكن أن يتكون من عمليات جيولوجية مثل النشاط البركاني أو التفاعلات الكيميائية بين الصخور والماء.
- إحدى العمليات المقترحة هي التفاعلات بين الأوليفين (Olivine) والماء وثاني أكسيد الكربون، مما ينتج الميثان عبر عملية تُسمى “التخليق الميثاني” (Serpentinization).
- قد يتم تخزين الميثان تحت سطح المريخ لآلاف السنين ثم يتحرر فجأة بسبب الزلازل أو التغيرات الموسمية.
إذا كان الميثان يأتي من العمليات الجيولوجية، فهذا يعني أن المريخ لا يزال نشطًا من الداخل
لماذا يختفي الميثان بسرعة على المريخ؟
لغز آخر يثير الحيرة هو كيف يختفي الميثان بسرعة كبيرة؟
- على الأرض، الميثان يدوم في الغلاف الجوي لـ 300 سنة، بينما على المريخ يختفي في غضون أشهر أو أسابيع!
هناك عدة فرضيات لتفسير هذا الاختفاء السريع:
- الإشعاع الشمسي يكسر جزيئات الميثان بسرعة.
- التفاعلات الكيميائية مع الأتربة والغبار المريخي قد تدمر الميثان قبل أن ينتشر في الغلاف الجوي.
- الغاز قد يتسرب إلى الصخور، مما يمنعه من الانتشار في الجو.
إذا فهمنا كيف يتم تدمير الميثان على المريخ، فقد يساعدنا ذلك في تحديد مصدره الحقيقي.
كيف يمكننا حل اللغز؟
العلماء يستخدمون عدة استراتيجيات لفهم مصدر الميثان على المريخ:
1. دراسة نظائر الكربون في الميثان
- على الأرض، الكائنات الحية تُفضل نظير الكربون-12 (¹²C) على الكربون-13 (¹³C).
- إذا كان الميثان على المريخ يحتوي على نسبة أعلى من الكربون-12، فقد يكون ناتجًا عن حياة ميكروبية.
2. البحث عن مصادر إطلاق الميثان
- كيوريوسيتي روفر تراقب موسمية الميثان لمعرفة ما إذا كان يرتبط بتغيرات المناخ أو النشاط الجيولوجي.
3. إرسال بعثات جديدة
- مهمة ExoMars 2028 القادمة ستبحث عن أدلة على حياة ميكروبية تحت سطح المريخ.
إذا وجدنا دليلًا قاطعًا على أن الميثان قادم من الحياة، فسيكون ذلك أكبر اكتشاف في تاريخ الفضاء!
. ماذا لو كان هناك حياة على المريخ؟
إذا ثبت أن الميثان ناتج عن كائنات حية، فسيكون لهذا الاكتشاف تأثير هائل على فهمنا للكون.
1. سنعرف أننا لسنا وحدنا
- قد يكون هناك كائنات مجهرية تعيش تحت سطح المريخ.
2. قد تكون الحياة على الأرض والمريخ متصلة
- قد يكون الحياة على المريخ والأرض نشأت من نفس المصدر (نظرية البانسبيرميا – انتقال الحياة بين الكواكب).
3. سيؤثر على خطط الاستعمار البشري للمريخ
- إذا كان هناك حياة، فقد نحتاج إلى سياسات تحمي النظام البيئي للمريخ.
اكتشاف حياة على المريخ قد يكون أعظم اكتشاف في تاريخ البشرية
هل لغز الميثان على المريخ دليل على الحياة؟
الميثان على المريخ يظل لغزًا علميًا لم يُحل بعد، لكنه قد يكون المفتاح لكشف وجود حياة على الكوكب الأحمر.
- إذا كان ناتجًا عن ميكروبات، فهذا يعني أن الحياة قد تكون موجودة خارج الأرض.
- إذا كان ناتجًا عن عمليات جيولوجية، فهذا يعني أن المريخ لا يزال نشطًا من الداخل.
- البعثات المستقبلية قد تحمل الإجابة النهائية لهذا اللغز.